قرارات حكومية “غير مدروسة” تخنق سوق العقارات الأكثر مساهمة في الناتج المحلي

السبت، 02 أغسطس 2025 10:02 م
القطاع العقارى

القطاع العقارى

share

المشاركة عبر

يشهد قطاع التطوير العقاري في مصر حالة من القلق والاضطراب، في ظل تحذيرات متزايدة من مطورين وخبراء بشأن التداعيات السلبية للقرارات الحكومية الأخيرة الصادرة عن وزارة الإسكان. واعتبر العديد من المعنيين أن هذه القرارات قد تُقوِّض فرص النمو، وتؤثر سلبًا على خطط التنمية العمرانية، وتُلقي بظلالها على أحد أهم القطاعات المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي.

ووصف خبراء هذه القرارات بأنها “غير مدروسة” و”طاردة للاستثمار”، مشيرين إلى أنها تفتقر لفهم طبيعة السوق العقاري، وتُهدد استقرار هذا القطاع الحيوي الذي يعد قاطرة رئيسية للاقتصاد المصري.

  • قرارات مفاجئة… ومخاوف من تطبيقها بأثر رجعي

بدأت الأزمة بسلسلة قرارات حكومية، شملت فرض رسوم على المشروعات القائمة على طريق مصر-الإسكندرية الصحراوي ومحور الضبعة، تبعها فرض رسوم أخرى على أراضي الساحل الشمالي الغربي، ثم صدور قرارات بسحب الأراضي من الشركات التي لم تستكمل التراخيص أو القرارات الوزارية خلال مهلة لا تتجاوز 3 أشهر، أو تأخرت في سداد الأقساط المستحقة.

وفي هذا السياق، أكد خبير عقاري بارز – فضل عدم ذكر اسمه – أن “القرارات الأخيرة، خاصة تلك المتعلقة بسحب الأراضي، أثرت سلبًا على ثقة المستثمرين، كما أنها قرارات مفاجئة لا تستند إلى دراسات جدوى واضحة، ولا تراعي التزامات الشركات أو أوضاع السوق المتأزمة”.

وأضاف: “تطبيق هذه الإجراءات بأثر رجعي يُعد سابقة خطيرة تهدد استمرارية الشركات، وتضرب الثقة في مناخ الأعمال وتضعف جاذبية القطاع أمام المستثمرين”.

  • “القطاع ليس مجرد مورد مالي”

وأشار خبير آخر إلى أن “وزارة الإسكان تتعامل مع القطاع وكأنه مورد مالي فقط، متجاهلة أبعاده التنموية والاجتماعية”، مؤكدًا أن الضغط المتزايد على المطورين سيدفعهم إلى تقليص الاستثمارات، وتعطيل التنفيذ، وتأجيل تسليم الوحدات، بما لذلك من تأثير مباشر على فرص العمل المرتبطة بالقطاع.

ووصف الخبير التهديد بسحب الأراضي بأنه “إجراء كارثي” لايستند في كثير من الحالات إلى أساس قانوني واضح، وقد يُدخل السوق في دوامة من المنازعات القضائية.

  • المطورون: لا نرفض التنظيم.. ولكن نرفض الفوضىالإدارية

وأكد مسؤول في إحدى شركات التطوير العقاري أن“المشروعات العقارية الجارية تمثل التزامًا قانونيًا ومجتمعيًا كبيرًا، ليس فقط تجاه الدولة بل تجاه آلاف العملاء”. وأضاف: “المطور ليس الطرف الوحيد في المعادلة، فهناك عملاء سددوا مقدمات وحصصًا من التكلفة، واستثمارات ضخمة تم ضخها بالفعل، ولا يمكن تجاهل ذلك بقرارات إدارية مفاجئة”.

وأشار إلى أن الشركات لا تعارض تنظيم السوق، بل طالبت مرارًا بقواعد واضحة تُطبق على الجميع، لكنها ترفض إصدار قرارات مصيرية دون حوار مسبق، أو دراسة آثارها، خاصة أن السوق العقاري يتسم بالدورات الطويلة والارتباط بمؤشرات اقتصادية متغيرة.

وأوضح أن التأخير في استصدار التراخيص أو القرارات الوزارية لا يكون دائمًا مسؤولية المطور، بل نتيجة بطء الإجراءات الحكومية، متسائلًا: “كيف يُعقل تحميل المطور تبعات تأخيرات لا دخل له بها؟”.

  • أزمة تمويل خانقة وسط فائدة مرتفعة

وأوضح المصدر أن الشركات العقارية تتحمل أعباء كبيرة، فهي تلتزم بسداد الأقساط وتنفيذ وتسليم المشروعات خلال 3 إلى 4 سنوات، بينما تبيع الوحدات للعملاء على فترات تمتد لـ10 أو12 سنة، دون الاعتماد على تمويل مصرفي حقيقي.

وأضاف: “رغم ذلك، تتحمل الشركات فوائد تمويلية مرتفعة على جدولة الأقساط، توازي معدلات البنك المركزي، بالإضافة إلى فوائد مركبة تزيد من الضغط المالي، في وقت يعاني فيه السوق من صعوبات تمويلية وارتفاع جنوني في أسعار مواد البناء بسبب تقلبات سعر الصرف”.

وتابع: “بدلاً من منح الشركات مرونة وفهم للظروف الحالية، فُرضت سياسات عقابية قد تدفع البعض إلى الإغلاق أوالإفلاس”.

  • دعوات لتعليق القرارات واجتماع عاجل

وفي الأسبوع الماضي، قدم مجلس العقار المصري وجمعية رجال الأعمال المصريين مذكرات رسمية إلى مجلس الوزراء تطالب بتعليق فوري لهذه القرارات. وحذروا من أن سحب الأراضي سيُجمِّد استثمارات بمليارات الجنيهات، ويضرب ثقة البنوك، ويعطل تمويل المشاريع القائمة والجديدة.

ودعت منظمات الأعمال إلى اجتماع عاجل مع وزارة الإسكان لمناقشة تداعيات هذه الإجراءات، والوصول إلى آليات تنفيذية تضمن التوازن بين تنظيم السوق، والحفاظ على الاستثمارات وديناميكية القطاع.

  • القطاع العقاري.. شريان اقتصادي لا يجب خنقه

وأكد الخبراء أن قطاع التطوير العقاري يمثل أحد أعمدة الاقتصاد المصري، حيث يساهم بنسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر ملايين فرص العمل، ويحفز أكثر من 100 صناعة مرتبطة به. وأشاروا إلى أن المساس باستقراره هو تهديد مباشر للاقتصاد الوطني وجهود الدولة في التنمية العمرانية، خاصة في ظل الطفرة السكانية، والحاجة إلى مشروعات إسكان وخدمات تمتد لعقود قادمة.